وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله
ذكر جملة فوائد مهمات
مرتبطة بدلائل الخيرات
الفائدة الأولى : في ترجمة صاحب الدلائل :
هو الشيخ الإمام، العلامة الولي الهمام، أوحد أعيان الأئمة الأعلام، العالم العامل، والولي الكامل، والعارف المحقق الواصل، قطب الزمان، وفريد العصر والأوان، نخبة أكابر الأولياء العارفين، وقدوة الأخيار الصالحين، أبو عبد الله سيدي محمد (فتحا) بن عبد الرحمان بن أبي بكر الجزولي السملالي الشريف الحسني.
وجزولة : قبيلة من قبائل البربر بالسوس الأقصى، وسملالة قبيلة من قبائل جزولة.
ولد رضي الله عنه في مدشر " تانكرت " في سوس ببلاد الساحل على واد يعرف بهذا الاسم، آخر القرن الثامن ولا يعرف متى كان ذلك على وجه التحديد .
وقد خرج الجزولي من بلاده لقتال بها، حيث كانت تشهد حينها صراعات داخلية كثيرة، فقصد مدينة فاس لطلب العلم فنزل بمدينة الصفارين، ليرحل بعدها إلى المشرق للأخذ عن العلماء والتلقي عن الشيوخ المربين، حيث طاف في رحلته تلك مدن الحجاز ومصر ومدينة القدس، واستمرت نحوا من سبع سنوات.
وبعدها عاد إلى المغرب، وحلَّ بفاس من جديد، والتقى هناك الإمام زروق، الذي أرشده إلى الشيخ المربي وأوحد وقته سيدي أبي عبد الله محمد امغار ( الصغير) رضي الله عنه بتيط.
فرحل إليه الشيخ الجزولي، حيث أخذ عليه ورد الشاذلية، ودخل الخلوة للعبادة نحوا من أربع عشرة سنة، ثم خرج بعدها وأخذ في تربية المريدين، وتاب على يديه هناك خلق كثير، وانتشر ذكره في الآفاق ، وظهرت على يديه الخوارق والكرامات والمناقب الجسيمة.
توفي رضي الله عنه بآفرغال مسموما في صلاة الصبح، إما في السجدة الثانية من الركعة الأولى، أو في السجدة الأولى من الركعة الثانية- سادس عشر ربيع الأول عام سبعين وثمان مائة (870هـ)، ودفن لصلاة الظهر من ذلك اليوم بوسط المسجد الذي كان أسسه هناك. ثم بعد سبع وسبعين سنة من موته نُقل من سوس إلى مراكش، فدفنوه بمنظقة رياض العروس، في الحي الذي يحمل اسمه " سيدي بنسليمان " داخل المدينة، وبني عليه بيت . وقبره يزار ويتبرك به.
طريقته رضي الله عنه شاذلية، وله كلام كثير في الطريق قيده الناس عنه يوجد متفرقا بأيدي الناس، وله تأليف في التصوف سماه " النصح التام لمن قال ربي الله ثم استقام"، وحزب الفلاح، وحزبه الموسوم بـ " حزب سبحان الدائم الذي لا يزال "، بالإضافة إلى هذا الكتاب دلائل الخيرات الشهير الذكر والذائع الصيت.
وقد أكثر العلماء من الثناء على الشيخ الجزولي رضي الله عنهم، وأقوالهم في ذلك كثيرة، وجلبها يستدعي طولا ليس هذا محله، ولكن لنقتصر على إيراد بعضه، تنبيها على غيره .
قال العلامة في ممتع الأسماع : " كان رضي الله عنه من العلماء العاملين، والأئمة المهتدين، جمع بين شرف الطين والدين، وشرف العلم والعمل، والأحوال الربانية الشريفة، والمقامات العلية المنيفة، والهمة العالية السماوية، والأخلاق الزكية الرحمانية، والطريقة السُّنِية السَّنِية، والعلم اللدني، والسر الرباني، والتصريف النافد التام، والخوارق العظام، والكرامات الجسام. وكان قطبا جامعا، وغوثا نافعا، وارثا رحمانيا، وإماما ربانيا، أقامه الله في وقته رحمة للعباد، وبركة ونورا في البلاد، جعله موضع نظره من خلقه، وخزانة سره، ومظهر نفوذ تصريفه، ومنبع مدده، .. انتفع به خلق كثيرون، وتخرج على يديه مشايخ كثيرون، وحييت به البلاد والعباد، وجدد الطريقة بالمغرب بعد دروس آثارها، وخبو أنوارها، واشتهر بالفقر واللهج بذكر الله، والصلاة على النبي صل الله عليه وسلم في سائر بلاد المغرب"[1].
الفائدة الثانية : في سبب تأليف دلائل الخيرات :
قال النبهاني رحمه الله في الدلالات الواضحات على دلائل الخيرات[2] : قال سيدي العارف بالله الشيخ أحمد الصاوي المصري في شرحه على صلوات شيخه القطب الدرديري أن سبب تأليف " دلائل الخيرات " أن الإمام الجزولي حضره وقت الصلاة فقام يتوضأ لها، فلم يجد ما يخرج به الماء من البئر ، فبينما هو كذلك إذ نظرت إليه صبية من مكان عال ، فقالت له : من أنت ؟ فأخبرها ، فقالت له : أنت الرجل الذي يثنى عليك بالخير ، وتتحيَّر فيما تخرج به الماء من البئر؟!. وبصقت في البئر ففاض ماؤها حتى ساح على وجه الأرض. فقال الشيخ بعد أن فرغ من وضوئه : أقسمت عليك بمَ نلت هذه المرتبة ؟، فقالت : بكثرة الصلاة على من كان إذا مشى في البر الأقفر تعلقت الوحوش بأذياله، صلى الله عليه وسلم. فحلف يميناً أن يؤلف كتاباً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم".
الفائدة الثالثة : أصح الروايات لدلائل الخيرات وسبب وقوع الاختلاف في نسخ الدلائل :
اعلم أن لدلائل الخيرات نسخاً عديدة، حيث كان المؤلف رضي الله عنه بعدما ألف كتابه يُصَحِّحُه فترة بعد أخرى، فهذا سِرُّ اختلاف بعض نسخه، وأصح تلك النسخ : نسخة تلميذه الشيخ محمد الصُّغَيِّر السَّهْلي رحمه الله تعالى .
قال صاحب كشف الظنون[3] : "وللدلائل : اختلاف في النسخ لكثرة روايتها عن المؤلف رحمه الله . لكن المعتبر : نسخة : الشيخ أبي عبد الله : محمد الصُّغَيِّر السَّهْلي وكان من أكبر أصحابه. وكان المؤلف صحَّحها قبل وفاته بثمان سنين، يعني ضحى يوم الجمعة سادس ربيع الأول ، اثنتين وستين وثمانمائة ( 862)"انتهى.
وكذا نصَّ على ذلك العلامة سيدي محمد المهدي الفاسي رحمه الله تعالى عند قول صاحب الدلائل : " والصلاة على محمد نبيه "، حيث قال : " أكثر النسخ على إفراد الصلاة على السلام كما هنا، وهو الذي في النسخة التي صححها المؤلف وكتب على ظهرها وفي حواشيها بخطه، وسماها في هذا التقييد بالسَّهْلِيَّة، وهي نسخة كبير تلاميذه الشيخ أبي عبد الله محمد الصُّغَيِّر السَّهْلي رضي الله عنهما، وكانت قبل وفاة مؤلفها بثمان سنين، إذ ذكر كاتبها أنه أكلمها ضحى يوم الجمعة سادس ربيع الأول عام اثنين وستين وثمان مائة"[4]انتهى.
وقال الشيخ النبهاني في الدلالات الواضحات[5] : "يبدو لي أن الإمام الجزولي رضي الله عنه بعد تأليفه لدلائل الخيرات، صار يكرر نظره فيها، وكلما ظهر له تبديل لفظ بآخر يبدله، ويرويه عنه أصحابه بعد ان تكون النسخة انتشرت على اللفظ الأول، ثم وثم، إلى حين وفاته رضي الله عنه، ولذلك وقع الاختلاف الكثير في نسخ الدلائل، بحيث لا يشبهها في ذلك كتاب، ولكن الأمر فيه سهل، فإن النسخ الأولى التي جرى عليها المؤلف في الأول هي نفسها صحيحة، وإن ترجح عنده خلافها بعد ذلك، فما هو إلا من قبيل الحسن والأحسن، كلفظ النبي إن كان مهموزا أو غير مهموز، فهو صحيح على كل حال، وإنما وقع الاعتماد على النسخة السهلية أكثر من غيرها لكونها نسخة أجل تلاميذ المؤلف سيدي محمد السَّهْلي الصُّغَيِّر ، ووجد عليها خط المؤلف نفسه، وكتبت قبل فاته بمدة غير طويلة. إذا علمتَ ذلك؛ فاعلم أنِّي وإن كنت أرجح كغيري النسخة السهلية فلا أقول: إن ما عداها من النسخ لا يُعَوَّلُ عليها، إذا خالفت السهلية في بعض الألفاظ مع موافقتها للغة العربية، وليس فيها لحن ولا غلط يعبأ به، بل أقول: يجوز أن تكون عدة نسخ صحيحات، وهي كلها من وضع المؤلف، ويكون اختلافها بالزيادة أو النقص أو بعض الحركات مبنيا على تكرر نظره فيها المرة عد المرة، وترجيحه لفظا على آخر، فهي كلها إذا كانت موافقة للغة العربية معتبرة، وإذا كان اللفظ في صلاة مأثورة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بعض الأكابر، فيحتمل أن يكون في ذلك اللفظ عدة روايات جرى المؤلف على بعضها تارة، ثم ترجح عنده رواية أخرى، ويكون الكل صحيحا، والقارئ مأجور على كل حال" انتهى.
الفائدة الرابعة : في ترتيب صلوات دلائل الخيرات وعدد ما فيه من الصلوات وأشملها:
قال العلامة سيدي محمد المهدي الفاسي رحمه الله تعالى : "شرع في ذكر كيفيات الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مبتدئا منها بما صح عنه صلى الله عليه وسلم، وخُرِّج في كتب الإسلام المعتمدة ونحوها، ثم بما روي عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الفضلاء والأخيار والعلماء والأبرار مما رتَّبوه في أورادهم، أو سطروه في تآليفهم "[6].
وقال العباس التعارجي في : " وجملة ما فيه من الصلوات من قوله " في كيفية الصلاة على النبي " الخ 541 صلاة، وإن تكررت المعاطيف؛ ففي الربع الأول:182، وفي الثاني:69، وفي الثالث:109، وفي الرابع : 81 ".
قال: " وكان نفعنا الله به - أي الشيخ الجزولي- يرى أن أشمل صلاة في دلائل الخيرات من جميع صلواته ، هي قوله : اللهم صل على سيدنا محمد نبيك، وسيدنا إبراهيم خليلك، وعلى جميع أنبيائك وأصفيائك من أهل أرضك وسمائك.. إلى قوله : كفضلك على جميع خلقك"[7].
الفائدة الخامسة : في تقسيم دلائل الخيرات إلى أحزاب وأرباع وأثلاث:
قال العلامة سيدي محمد المهدي الفاسي رحمه الله تعالى في آخر الحزب الأول : " هذا آخر الحزب الأول على ما ثبت في النسخة السهلية، فإن تجزئة الكتاب بالأحزاب والأرباع والأثلاث كذلك ثبت في النسخة المذكورة، والمعتبر في ذلك من فصل الكيفية إذا ابتدأ القراءة منه كما تقدم التنبيه على ذلك، وهذا الحزب أزيد من الثمن بيسير على مقتضى نسبة تمام الحزب الثاني من تمام الربع الأول، والله أعلم".
قال: ومعنى الحزب : " الورد يعتاده الشخص من صلاة وقراءة وغير ذلك، وهو الطائفة من القرآن أو غيره يوظِّفُها على نفسه يقرؤها"[8].
الفائدة السادسة: في أن المقصود من كتاب دلائل الخيرات هو من فصل كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
قال العلامة سيدي محمد المهدي الفاسي رحمه الله تعالى : "اعلم أن هذا الفصل هو المقصود من الكتاب بالأصالة، وهو المجزأ بالأحزاب والأرباع والأصلاص حسبما ثبت في النسخة السهلية؛ لأنه منه تكون قراءة الكتاب، وأما ما قبل ذلك فإنما يقرأ في بعض الأحيان ليعلم علم ذلك، وليزداد قارئه رغبة ومحبة ونشاطا بقراءة الفضائل والأسماء، وبعضهم يبتدئ من الأسماء استطابة لها لما تضمنته من ذكر أوصافه صلى الله عليه وسلم والثناء عليه، فيصلي عليه مع كل اسم، بأن يقول مثلا: محمد صلى الله عليه وسلم، أحمد صلى الله عليه وسلم، ...إلى آخرها. أو يقول : اللهم صل على من اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم صل على من اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم ..إلى آخرها؛ أو نحو ذلك "[9] انتهى.
الفائدة السابعة: فيما يقصده المصلي بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم :
قال العلامة سيدي محمد المهدي الفاسي رحمه الله تعالى : " يُوجد في طُرَّة هذا المَحَلّ[10] من بعض النسخ العتيقة بزيادة لبعضها على بعض ما نص مجموعه : يقصد المصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثال أمر الله، وتصديقا لنبيه، ومحبة فيه وشوقا إليه، وتعظيما لقدره، وكونه أهلا لذلك، ونحو هذا. انتهى.
قال : وهذه المقاصد بعضها أعلى من بعض، وهي كلها أعلى من العمل على الأجور؛ لأن صاحب ذلك عامل على حظ نفسه وواقف معها، والعامل على ذلك لم يقم بحق أوصاف مولاه ولا أوصاف نبيه صلى الله عليه وسلم وحسنه وإحسانه وعِظَمِ قدره"[11] انتهى.
[1] - ممتع الأسماع (ص:17-18) نقلا بواسطة النعم الجلائل (ص:30-31).
[2] - (ص: 61).
[3] - (1/759-760).
[4] - مطالع المسرات بجلائل دلائل الخيرات ( ص:18).
[5] - (ص:67 فما بعد ).
[6] - مطالع المسرات (ص:163).
[7] - الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (5/100).
[8] - مطالع المسرات (ص:225).
[9] - المصدر السابق (ص:163).
[10] - أي : فصل كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
[11] - المصدر السابق (ص:163-164).
انضم إلى مجموعة مدوناتي