ابحث هنا

انضم إلى مجموعة مدوناتي

من إصداراتي
شرح مثلث قطرب

2009-07-03

مقدمة تحقيقي لكتاب ( الأنوار اللامعات في الكلام على دلائل الخيرات)


بسم الله الرحمن الرحيم 
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله 

مقدمة تحقيقي لكتاب
( الأنوار اللامعات في الكلام على دلائل الخيرات )


الحمد لله الذي بذكره أشرقت أنوار الهدايات، وبالثناء عليه فاضت سوابغ الصِلات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي هُدِينا به إلى دلائل الخيرات، وبالصلاة والسلام عليه نُرَقَّى إلى أرقى مراقي الدرجات، وعلى آله وصحبه الذين عكفوا بقلوبهم على مشاهدة كمالاته وبألسنتهم على الإكثار من ذكره والصلاة.
وبعد :
فلقد خلق الله تعالى هذا الإنسان في كبد ، وجعل كدحه في هذه الحياة سيراً إليه سبحانه وتعالى. قال عز وجل { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ }[ الانشقاق:6] ، وإنه ليس من سبيل موصل إلى ذلك الجناب، إلا من خلال شهود واسطيته صلى الله عليه وآله وسلم. إذ هو عليه الصلاة والسلام الرحمة للعوالم كلها الملكية والملكوتية ، وقاسم الأرزاق جميعها الحسية والمعنوية ، وما من موجود من الممكنات إلا عليه استنادُه، ولا شيء من هذه العوالم إلا ومن مدده استمدادُه، وما من عالمٍ إلا ومن عَلْمِهِ اقتباسُه، ولا من عارفٍ إلا ومن بحر معرفته اغترافُه والتماسُه، فهو مفتاحُ باب الوصول، وسببُ نيلِ السول ، وقد سُدَّت على الخلائق الطرائق ، إلاَّ من هذا الباب الرائق . فلا سبيل إلى سلوك مدارج الإيمان ، واستشراف مراقي الإحسان إلا بشهود كماله، والقبس من فيض نواله، إذ ما من شيء في هذا الوجود إلا وهو به منوط، ولولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط.
ويكفي من عظيم منصبه، ثناءُ الله عليه في كتبه، بما لا سبيل إلى حصره، ولا مطمع لأحد في دركه. ورحم الله ابن الخطيب الأندلسي حيث قال :
مَدَحَتْكَ آياتُ الكتاب فما عسى
يُثْنِي على علياك نَظْمُ مَدِيحي
وإذا كتاب الله أثنى مُفْصِحاً
كان القصور قُصَارى كُلِّ فَصِيح
وللعلامة ابن جزي الكلبي رحمه الله :
أَرُومُ امْتِدَاحَ المُصطفى فيرُدُّنِي *** قصُوري عــن إدراك تلك المناقب
ومن لي بِحَصْرِ البحرِ والبحرُ زاخرٌ*** ومن لي بإِحْصَاءِ الحصى والكواكب
ولو أن كـل العالمين تَأَلَّفُــوا *** على مـدحه لم يبلغوا بعضَ واجب
فأمسكتُ عنه هيبــة وتأهبـا *** وخـوفاً وإعظــاما لأرفع جانب
ورُبَّ سُكوتٍ كـان فيه بلاغةٌ*** ورُبَّ كـــلام فيه عُتْبٌ لعاتب
وقد جعل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم العروة الوثقى، والحبل الممدود بينه وبين أحبابه وأصفيائه وأوليائه، وفي الحديث الذي رواه الترمذي والحاكم من حديث سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أَحِبُّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي » .
وقد ملك والله ناصية التوفيق من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ، وذاق حلاوة الإيمان ، وأشرف على مشارف الإحسان .
ولقد هامت قلوبٌ وأفئدة بهذا النبي الكريم، فأكثرت من اللهج بذكره والصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فلم تزل الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ديدنهم وشعارهم ودثارهم، ودأبهم ليلهم ونهارهم، صرفوا فيها أعمارهم، وقصروا عليها أمرهم، فطوبى لهم إذ سقوا في حضرة القدس من رحيق الأنس بكأس الصفا، وهبَّت عليهم نسائم القرب من رياض الحب فأهدى لهم من نشر عنبره عُرفا، وكيل لهم بمكيال الوفا، ونودي في أهل السر : هذا عطاؤنا لمن أكثر الصلاة على حبيبنا المصطفى؛ صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة القسطلاني رحمه الله تعالى : " إن أولى وأعلى، وأغلى وأفضل، وأكمل وأبهى، وأشهى وأزهر، وأنور ما ذكر به هذا المحبوب الكريم، والرسول العظيم: الصلاةُ عليه والتسليم، زاده الله تعالى تشريفا وتكريما من فضله العميم، فأنهما سبب لدوام محبته وزيادتها وتضاعفها، إذ هي عقد من عقود الإيمان الذي لا يشم إلا بها، لأن العبد كلما كان أكثرَ من ذكر محبوبه ، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه؛ تضاعف حبه وتزايد شوقه، واستولى على جميع قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أسر لقلبه من ذكره واستحضار محاسنه.
فإذا قوي هذا في قلبه؛ جرى لسانه بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، فيصير هجيراه الصلاة والسلام عليه في المساء والبكور، ويفوز بالتجارة التي لا تبور، ويقتبس من مشكاة أنواره أعظم نور"[1].
ولم يتقصر التعلق بإنشاء الصلوات، بل أفردوا في ذلك التآليف، ووضعوا فيها التصانيف، ما بين كتب دالة على معناها ومبينة لفضائلها، أو أربعينيات جمعت أربعين حديثا في فضائلها أو صيغها، أو دلائل ، أو جمعٍ لصلوات الأولياء وخُلَّصِ الأصفياء، أو كتب وُظِّفَت فيها الصلوات لأغراض عدة، أو شروح لدلائل أو صلوات[2] .
هذا وإن من أَجَلِّ الكتب التي ألفت في هذا الباب : كتاب العارف الكبير، والولي الشهير، الإمام المحقق، والعالم العامل، سيدي أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي السملالي الشريف الإدريسي الحسني قدس الله روحه، والمسمى بـ ( دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار ).
قال العلامة السيد المرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى في شرح الإحياء : " قد أكثر المحبون للنبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه بصيغ مختلفة وألفاظ متنوعة، وأفردوها بمصنفات ما بين طوال وقصار.. ومن القصار : الكتاب المسمى بدلائل الخيرات وشوارق الأنوار للقطب أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي قدس سره، وكان في أواخر الثمانمائة، وكان في عصره رجل آخر بشيراز ألف كتابا، وسماه بهذا الاسم، وعلى هذه الطريقة، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد رزق القبول والاشتهار لكتاب الجزولي ما لم يعط لغيره، فولعت به الخاصة والعامة، وخدموه بشروح وحواش، وما ذلك إلا لحسن نيته وخلوص باطنه في حبه صلى الله عليه وسلم، وقد سمعتُ غير واحد من الشيوخ يقول: إذا أردت أن تعرف مقام الرجل في القبول عند الله تعالى؛ فانظر إلى مؤلفاته أو تلامذته"[3]. انتهى.
وقال الشيخ حاجي خليفة في كشف الظنون[4] : " وهذا الكتاب آية من آيات الله في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام يواظب بقراءته في المشارق والمغارب".
والكتاب كما قال الحافظ المرتضى وصاحب الكشف قد تلقاه الناس العامة والخاصة بالقبول، فعكفوا على تلاوته وقراءته، وحفظه ومذاكرته، ووضعوا عليه الشروح والتقاييد في شرحه وترصيع مبانيه، وكشف مخدرات الحسن من معانيه،
ومن هاتيك الكتب التي عنت بشرح دلائل الخيرات : هذا الكتاب الذي نُقَدِّمُ له، والمسمى بـ ( الأنوار اللامعات في الكلام على دلائل الخيرات ) للإمام العارف بالله العلامة الكبير سيدي أبي زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي رحمه الله تعالى، وهو كما وصفه واضعه عبارة عن " تعليق كالشرح لبعض معانيه، وكالتشييد لما قد يخفى أو يحتجب من مبانيه، لينبه العاكف عليه على بعض أسراره ، ويزيده بصيرة في اجتناء ثماره".
وهو على اختصاره ووجازته إلا أنه قد حوى من نفائس التحقيق ودرر التدقيق ما يصدق معه فيه قول القائل : " ربما يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر"، ويكفي أن مؤلفه هو الإمام العارف بالله العلامة سيدي أبي زيد الفاسي، والذي يقول فيه العلامة محمد المهدي الفاسي صاحب ( مطالع المسرات ) : " كان رضي الله عنه إماما عالما، متبحرا نظارا، جامعا لأدوات الاجتهاد، مائلا إليه، محققا في جميع العلوم، عارفا بالنحو واللغة، والفقه والأصول، والكلام والمنطق والبيان... وغير ذلك. إماما في جميع ذلك، متوسعا في الأصلين، لا يدرك فيهما شأوه، جيد الفهم، مصيب السهم، شهد له بذلك شيوخه، واعترف له به أهل عصره.. وأما معاني القرآن والحديث والتصوف المؤيد بالكتاب والسنة، فلا يجارى في شيء من ذلك"[5].انتهى.
والكتاب كان قد طبع قديما على الحجر بفاس سنة 1317هـ ، وبهامشه كتاب شرح حزب البحر لزروق رحمه الله تعالى .
وكان قد رغب إلي السيد الفاضل بقية الصلحاء الأماثل سيدي الحاج عمر بناني حفظه الله تعالى وحباه دار التهاني أن أعتني بهذا الكتب لإعادة طبعه مرة أخرى ، وُلُوعاً منه حفظه الله تعالى بكل ما له علاقة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخدمة للجناب النبوي المعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فاهتبلت الكتاب أمتاح فوائده، وأستوكف فرائده، معتنيا بضبط نصه، وتصحيح متنه، والتعليق على ما لابد منه لبيان معناه، فكان عملي فيه على النحو التالي:
1- ضبط متن الكتاب : واعتمدت في ذلك على متن النسخة الحجرية، ومعلوم أن الطبعات الحجرية أضحت اليوم بمثابة مخطوطات.
وقد تفضل السيد الحاج عمر بناني حفظه الله تعالى بإعادة مراجعة الكتاب ومقابلته وتصحيحه، فله جزيل الشكر والامتنان.
2- قدمتُ له بمقدمة وضعت فيها الكتاب في سياقه العام، وهي هذه التي بين يديك .
3- مهدتُ له بتمهيد في ذكر جملة من الفوائد المرتبطة بكتاب دلائل الخيرات.
4- ترجمتُ لصاحب الكتاب الإمام العارف الفاسي رحمه الله تعالى .
5- عزوتُ الآيات إلى مظانها، والأحاديث الواردة في هذا المصنف إلى مخرجيها .
6- ترجمتُ لبعض الأعلام المذكورين في الكتاب، ترجمة موجزة، ولم أُثْقِل حواشي الكتاب بالترجمة للأعلام والأئمة المشاهير، حاشا رجالاً رجاءَ بركتهم.
7- علَّقتُ على بعض المواطن في هذا الكتاب .
وفي الختام ، فهذا جهد المُقِل، وعذر غير المُخِل ، والله أسأل سؤال عبد بادي العجز والكلال ، وأرتجيه رجاء متضرعٍ بباب كرمه والنوال ، وألجأ إليه مستشفعا بحبيبه سيدنا محمد سيد ولد آدم في يوم لا بيع فيه ولا خلال ، أن يتقبله مني في صالح الأعمال ، ويجعلني به من المقربين أهل الكمال.
والخير أردت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه حامدا مصليا :
هشام بن محمد حيجر الحسني
كان الله له

[1] - مسالك الحنفا (ص:34).
[2] - هذه الأنواع في كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي من الدرر التي استفدناها من مجالس السيد المحب الذائق والواله الذائق ، مجلي الحقائق ، ومبدي الرقائق ، سيدي الحاج عمر بناني ، المحب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتفاني ، أمده الله غاية الأماني ، وأناله دار التهاني، وقد بسطت الحديث عنها وبيانها فيما كتبناه مقدمة على كتاب "الإعلام والإلهام بنفثة من بحور علم ما تضمنته صلاة القطب مولانا عبد السلام" للعلامة الكبير ابن زكري الفاسي رحمه الله تعالى.
[3] - نقلا من سعادة الدارين للنبهاني (ص:33).
[4] - (1/759).
[5] - مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن (ص:310).